بدأت سنة 2020 بالنسبة للمغرب بإحدى الأعمال السيادية الكبرى المحددة، تجسدت في عملية رسمه لحدوده البحرية من جانبه، وذلك في يناير 2020، ولقد تم ذلك برهانات كبيرة حول الموارد التي تحتويها المناطق الاقتصادية الموجودة على الساحل الغربي. وإذا اتضح أنه من الممكن التفاوض حول الحدود البحرية بين المغرب وإسبانيا، وبالضبط بين الشاطئ المغربي وجزر كناريا، فانه يبدو للعديد من المحللين أن الأمر لا يخلو من صعوبات بالنسبة للشمال حيث تقع سبتة ومليلية والجزر الجعفرية.
على أي يعتبر رسم الحدود هذا تكملة لمسلسل بدأته إسبانيا سنة 2020.
إلا أن سنة 2020 تعتبر سنة كورونا بامتياز، حيث تم الإعلان رسميا عن تسجيل أول حالة في 2 مارس، ليكتشف المغرب مباشرة في تلك الأيام أنه يعيش في وضعية فراغ قانوني وشرع في بناء ترسانة القرارات والنصوص التي ستشكل عناصر المرجعية القانونية في الموضوع.
استمرت الحياة المؤسساتية بشكل عادي حيث عقدت الجلسات العامة للبرلمان حضوريا لكن مقتصرة على حضور رؤساء الفرق، وعن بعد بالنسبة للجن المختصة بشكل مفتوح للعموم رغم سريتها حسب القواعد المعمول بها.
كذلك تمت اجتماعات الحكومة عن بعد وبشكل منتظم، ولم تتوقف أعمال الإدارة على العموم، وإن تقلصت أنشطتها وتمت رقمنتها، وتعاملت الأحزاب بنشاط ملفت للنظر مع الفضاءات الافتراضية وكذلك النقابات والجمعيات.
بل ساهم الوباء في بروز مجتمع دينامي، ينم عن حيوية جد ملحوظة، وذلك انطلاقا من المراكز الحضرية إلى أبعد قرى، مع عودة النخب القديمة إلى جانب النخب الجديدة للواجهة، حيث امتلأت الفضاءات الافتراضية بمجموعات تجمع دوائر مهنية، بحثية، مدنية، (قدماء مؤسسات تعليمية..) وفرالأنترنت فضاءا بديل في ظل أجواء الأزمة، إلا أنه في حركة سياسوية حاولت بعض الجهات إدخال قانون 2020، الذي سمي بقانون تكميم الأفواه، إلى الحقل المغربي، بهدف مراقبة الانترنت وتحريك المتابعات عند الحاجة، لكن رد فعل الفاعلين الحقوقيين والإعلاميين والجمهور الرقمي أوقف ذلك. في الحقيقة يرجع المشروع إلى عهد بنيكران، حيث سبق أن نوقش في 2013-2014 كإحدى الأجوبة على الحملة الرقمية غير المراقبة، وبعد ذلك تأكد للبعض فائدته بعد حملة المقاطعة. وإذا تم تركه فعمليا لا زالت روحه تسري، بدليل الملاحقات التي جرت (الراضي، الريسوني،..)
في ما يتعلق بتتبع وتدبير الازمة الوبائية قامت عدد من الوزارات بدور متميز على رأسها وزارات الداخلية والصحة، حيث شكلت مع وزارات أخرى مربع وزارات كان لها دور لافت للنظر خلال الأزمة (التعليم، المالية، التجارة، منظومة العدل، التشغيل..) كما لعبت قوات الأمن بمختلف مكوناتها أدوارا أساسية (الشرطة، الجيش، الدرك، القوات المساعدة، إلخ..)، كما برز دور وزارة الخارجية في عدة مراحل فترات من الأزمة: منذ بداية الأزمة إلى حين التلقيح..) وتمت هذه الأدوار على مستوى عدة إطارات لجن أنشأت لهذا الغرض: لجنة اليقظة الاقتصادية، اللجنة الأمنية، اللجنة العلمية، وأضيفت إليها في مرحلة لاحقة لجنة كلفت بتدبير التلقيح.. وبرزت خارج مكونات الجهاز التنفيذي مبادرات وأدوار لأفراد ومجموعات (مسؤولي الأبناك، رجال أعمال، خلال لحظات محورية برزت بنيات اقتصرت على رئيس الحكومة، وزير الداخلية، وزير الخارجية، الصحة، الجيش، مديرية الأمن الوطني…
أبانت الأزمة عن درجة حرية المبادرة والاستقلالية الممكن اكتسابها من طرف بلد مثل المغرب لاسيما ولقد برز مع بروز اضطراب كبير في صفوف القوى العالمية التي عادة ما تساعد في هذا النوع من الظروف.
برزت الإجراءات الوطنية ذات الطابع الاجتماعي، حيث دفع صندوق الضمان الاجتماعي 2000 درهم للفئات العاملة المنتسبة إليه، ومنحت السلطات مساعدات اجتماعية لأعداد كبيرة للعاملين في القطاع غير المهيكل بلغت 800 درهم. كما أن وزارة التعليم حاولت توفير خدمات التعليم عن بعد.. ولقد أعطت هذه التدابير صورة عن ما يمكن ان يكون عليه تدبير اجتماعي معمق ومقنع.. بل ونشط التفكير حول ما يمكن الاقامة به اقتصاديا فور عودة الحياة إلى مجراها العادي:
كما انعكست هذه الاهتمامات على إعداد ميزانية2021.
أظهرت الأزمة صلابة التأطير الأمني من أجل إقرار احترام الحجر بصرامة، ولقد أدى مستوى الصرامة خلال الأيام الأولى إلى حوالي 84000 حالة توقيف بتهمة خرق حالة الطوارئ، لكن بعد مدة قصيرة من الجزم الصارم، تم تليين التدبير الأمني للحجر..
أظهرت الأزمة صلابة التأطير من طرف الدولة على عدة واجهات، ولكن في نفس الوقت أبانت هشاشة القطاعات الخاصة مثل التعليم الخصوصي، والقطاع الخاص.. وكذلك هشاشة اقتصاديات العديد من المواقع الحضرية والقروية، فمثلا اتضح أن المدن التي كانت ترتكز أساسا على السياحة والخدمات، كمدينة مراكش، فقدت تماما حيويتها وتوقف كل ما يرتبط بأنشطتها، في حين كانت مدن أخرى تشكو من هفوات أخرى، في حين صمدت المدن المبنية على النموذج الكلاسيكي، تلك التي اقتصادها مرتكز على رافعات متعددة، وإنتاجها متنوع كالبيضاء، وطنجة ومدن كان يبدو أنها تعاني ومدن يسود الاعتقاد أنها مهمشة كآسفي مثلا…
تأخرت مواعيد كانت مبرمجة قبل ظهور الكوفيد، فكان من المفروض مثلا أن يمنح التفكير في نموذج تنموي جديد نفس يحيي الجسم المغربي لرفع تحديات المرحلة المقبلة ويقوي فعاليته ويراكم نجاحات جديدة. اشتغلت اللجنة في الوقت الذي كانت فيه البلاد تجرب بل تعيش فيه عمليا، في الميدان، نموذج مجتمعي جديد، فرضته الظروف الاستثنائية للوباء، وكانت الدولة المغربية تبني هذا النموذج البديل يوما بعد يوم في سياق لم ينطلق من الصفر وعبر إجراءات الأجهزة التنفيذية ومبادرات العاهل المغربي.
صمدت مؤسسات وخدمات بما لها وما عليها، لكن بالمجمل خرج المغرب من الامتحان بشكل صلب، حيث أظهر أنه على العموم تحكم نسبيا في مساره على الأقل خلال الأشهر الأولى، ورغم ظهور صعوبات ابتداء من صيف 2020، توج الحل بالإعلان عبر بلاغ الديوان الملكي في شهر نوفمبر عن قرب الشروع في التلقيح الكامل بدون مقابل، الذي بدأ في 21 فبراير ويمكن اعتبار البلاغ كوثيقة تاريخية بالغة الأهمية على المستوى السياسي في تاريخ المغرب المعاصر.
جاءت وقائع الكركرات وموجة جديدة من سحب الاعترافات بخصوم الوحدة الترابية، وفتح القنصليات في الأقاليم الجنوبية لتذكر بأن وباء كوفيد لم يجمد تطورات القضية الوطنية على الصعيد الدولي.
وفي الوقت الذي كانت تتحرك فيه الدبلوماسية الجزائرية ومناورات الجيش الجزائري بالذخيرة الحية، استمر المغرب في تدبير قضيته عبر التفاوض الشمولي ومعالجة مشكلة إغلاق الكركرات في أكتوبر من طرف الخصوم وإعادة فتحه في 13 نونبر عبر تدخل الجيش المغربي وما أدى إليه من انسحاب الخصوم من اتفاق إطلاق النار.
بعد ذلك شكل الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء في 10 دجنبر محطة بارزة، بعلاقة مع تطبيع العلاقة مع الكيان الصهيوني، بل يمكن الحديث عن منعرج وقع وسط موجة من التأييد ومواقف متباينة للقوى العظمى: تأكيد وزير الخارجة لفرنسا مساندته للحكم الذاتي، وتمسك إسبانيا بالمسار الأممي، وتميز ألمانيا بموقف اعتبره المغرب مضرا بمصالحه…
كما سجلت 2020 القطيعة مع بلاد الخليج بسبب الأزمة البين خليجية، خاصة مع الإمارات إلى حد استدعاء السفراء من طرف الجانبين. بعد بروز التوتر، عادت الأطراف إلى نوع من استئناف العلاقات، بل وقع انفراج وفتحت قنصلية إماراتية في العيون في نونبر 2020.
من الصعب الإحاطة هنا بكل العبر التي يمكن استخلاصها من مجريات الأحدث الاستثنائية لسنة 2020 على مختلف الأصعدة: الأمنية، الصحية، الحماية الاجتماعية. إلا أنه يمكن الوقوف عند الاستنتاجات الكبرى المؤقتة، في انتظار تجميع مفصل للوقائع التي عرفتها السنة المعنية وتحليل ممنهج لعناصرها في التقرير المقبل:
1 – لقد برزت الأزمة متانة استقرار الدولة المغربية، حيث في ظروف صعبة ومعقدة استطاعت بسط سيادتها داخليا ومواكبة الدولة تطورات للملفات الوطنية بأقل الخسائر، إذ لم نقل بنجاح نسبي.
2 – تقوت مشروعية الدولة في المغرب منذ الاجراءات الاستباقية الأولى بعد تسجيل العدوى في أيامها الأولى، بل تجديدها وتصليبها. وبلغت قوة هذه المشروعية مستواها الأعلى مع إطلاق حملة التلقيح.
3 – نفس المعطيات تبين أن الظروف الاستثنائية التي عاشها المغرب أبانت عن أبعاد وحدود نفوذها وهبتها وقدراتها على فرض ذاتها. كما تبين استنفادها لطاقاتها التدخلية كدولة مانحة، حامية، داعمة ومغذية. كما تبين لها في نفس الوقت ما يمكن فعله ومراكمته لتقوية امكانياتها في المرحلة لمقبلة.
عن التقرير الاستراتجي
Soyez le premier à commenter